الوضوء في أحادیث الشیعة الإمامیة
نعم ذكرت صورة وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) في الأحاديث الواردة في مصادر الشيعة الإمامية والمنقولة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد صرِّح فيها بالبدء بالمرافق كما هو المتعارف والمعمول في غسل الأيدي، وسنذكر واحدة منها علي سبيل المثال:
(عن زرارة: قال أبو جعفر (عليه السلام): ألا أحكي لكم وضوء رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) فقلنا بلي، فدعا بقعبٍ6 فيه شيً من ماء، فوضعه بين يديه، ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمني، ثم قال: هكذا إذا كانت الكفّ طاهرة، ثمّ غرف فملأها ماءاً، فوضعها علي جبهته، ثم قال: بسم اللّه، وسدله علي أطراف لحيته، ثم أمرَّ يده علي وجهه، وظاهر جبهته، مرّة واحدة، ثم غمس يده اليسري، فغرف بها ملأها، ثمّ غرف بيمينه ملأها، فوضعه علي مرفقه اليسري فأمرّ كفّه علي ساعده حتي جري الماء علي أطراف أصابعه، ومسح مقدّم رأسه وظهر قدميه ببلّة يساره وبقية بلّة يمناه)7 .
وهناك روايات أخري بهذا المضمون، فراجع مظانّها في كتاب (وسائل الشيعة)، الجزء الأوّل، إبتداءً من الصفحة 272 فما بعد.
هل الصحیح غسل الرجلین أو مسحهما ؟
النقطة الثانية في البحث: هل يجب غسل الأرجلين أم مسحهما؟
وسنتعرض أولاً إلي الأقوال في هذه المسألة:
نقل (إبن قدامة) وهو من كبار فقهاء أهل السنة، في كتابه (المغني) وهو من الكتب الفقهية المعتبرة عند أهل السنة، نقل الأقوال في كتابه هذا علي النحو الآتي:
(غسل الأرجل واجب في قول أكثر أهل العلم، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلي: أجمع أصحاب رسول اللّه علي غسل القدمين، وروي عن عليّ (عليه السلام) أنه مسح علي قدميه ثمّ دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلي) .
وحكي عن أبن عباس أنه قال: ما أجد في كتاب اللّه إلا غسلتين ومسحتين.
وروي عن أنس بن مالك أنه ذُكر له قول الحجاج: (إغسلوا القدمين ظاهرهما وباطنهما) فقال أنس: كذب الحجاج، وتلا هذه الآية: (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَينِ)، أي أنه لابد لموافقة هذه الآية من مسح القدمين لا غسلهما، وحكي عن الشعبي إنه قال: الوضوء مغسولان وممسوحان، فالممسوحان يسقطان في التيمم (يعني الوضوء يحتوي علي مسح الرأس والرجلين، ولا يوجد ذلك في التيمم).
ثمَّ نقل قول ابن جرير الطبري في التخيير بين الغسل والمسح8.
فأوّلاً: عدّ إبن قدامة غسل الأرجل رأياً لأكثر أهل العلم.
ثانياً: أقرّ بأن القول بغسل الأرجل ليس إجماعياً بين الصحابة والتابعين، فهناك من يقول بمسحها.
ثالثاً: نقل أن علياً (عليه السلام) كان يمسح القدمين.
ونسب الفخر الرازي في تفسيره نقلاً عن القفّال القول بوجوب مسح الأرجل إلي الإمام أبي جعفر محمد بن عليّ الباقر (عليهم السلام) وقال: إنه مذهب الشيعة الإمامية9.
وقال إبن حزم في المحلّي: (وممن قال بمسح الأرجل جماعة منهم عليّ بن أبي طالب وابن عباس والحسن والشعبي وغيرهم، وهو قول الطبري، وهناك روايات في ذلك10.