بسم الله الرحمن الرحيم
حيّا الله محمدًا وآلهِ بالسلام
تُسمى الآية ( 55 ) من سورة المائدة بآية الولاية لبيانها موضوع الولاية ،
و هي من الآيات المحكمات التي تُثبت الولاية لله تعالى و لرسوله
( صلَّى الله عليه و آله ) و للإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ،
و هي قول الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
قصة نزول آية الولاية :
يؤكد المفسرون في عشرات الكتب على نزول هذه الآية في
الإمام امير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) بعد تصدّقه بخاتمه
الذي كان يتختم به في خِنْصَره الأيمن و هو راكع في صلاته .
ثم إن المصادر الإسلامية التي ذكرت أن الآية قد نزلت في الإمام علي
( عليه السَّلام ) هي أكثر من أربعين كتابا ، أما العلماء
و المفسرون الذين ذكروا الآية فهم أكثر من أن يتسع المجال لذكرهم ،
إلا إننا نشير إلى نماذج منهم كالتالي :
1. الزمخشري : جار الله محمود بن عمر المتوفى سنة : 528 هجرية ، قال
في تفسير هذه الآية : و إنها نزلت في علي ( كرّم الله و جهه ) حين سأله
سائل و هو راكع في صلاته ، فطرح له خاتمه كأنه كان مَرِجا
في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته .
2. قال الزمخشري : فان قلت : كيف يصح أن يكون لعلي
( رضي الله عنه ) و اللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع
و إن كان السبب به رجلاً و احداً ، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا
مثل ثوابه ، و لينبّه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية
من الحرص على البر و الإحسان و تفقّد الفقراء ، حتى إن لزمهم
أمر لا يقبل التأخير و هم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منها .
3. الرازي : فخر الدين الرازي المتوفى سنة : 604 هجرية ، قال :
روي عن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال : صليت مع رسول الله
( صلَّى الله عليه و آله ) يوما صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد
فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء و قال : اللهم اشهد
أني سألت في مسجد الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) فما أعطاني أحد شيئا ،
و علي ( عليه السَّلام ) كان راكعا ، فأومأ إليه بخِنْصَره اليمنى
و كان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي
( صلَّى الله عليه و آله ) فقال ـ أي النبي ـ :
" اللهم إن أخي موسى سألك فقال : ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾
إلى قوله : ﴿ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾
فأنزلت قرآنا ناطقا ﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ... ﴾
اللهم و أنا محمد نبيك و صفيك فأشرح صدري و يسّر لي أمري
و أجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري " .
قال أبو ذر : فو الله ما أتم رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله )
هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد اقرأ :
﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ .
4. الكنجي : أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الشافعي ،
المتوفى سنة : 658 ، رَوى عن أنس بن مالك أن سائلا أتى المسجد
و هو يقول : من يقرض الملي الوفي ، و علي ( عليه السَّلام ) راكع ،
يقول بيده خلفه للسائل ، أي إخلع الخاتم من يدي ، قال رسول الله
( صلَّى الله عليه و آله ) : " يا عمر و جبت " ، قال :
بابي أنت و أمي يا رسول الله ما و جبت ؟ قال :
" و جبت له الجنة والله ما خلعه من يده حتى خلعه
الله من كل ذنب و من كل خطيئة " ، قال :
فما خرج أحد من المسجد حتى نزل جبرائيل ( عليه السَّلام )
بقوله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ ،
فأنشأ حسان بن ثابت يقول :
أبا حسن تفديك نفسي و مهجتي ... و كل بطيء في الهدى و مسارع
أيذهب مديحك المُحير ضايعا ... و ما المدح في ذات الإله بضايع
فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع ... فدتك نفوس القوم يا خير راكع
بخاتمك الميمون يا خير سيّد ... و يا خير شار ثم يا خير بايع
فأنزل فيك الله و لاية ... فأثبتها في محكمات الشرايع
ثم إن أكثر من أربعين كتابا من كتب التفسير و الحديث جاء
فيها أن الآية إنما نزلت في الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام )
لا مجال لذكرها ، لكن لابد هنا من الإشارة إلى نقاط توضيحية هي :
نقاط ذات أهمية :
1. لا خلاف أن الآية قد نزلت في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
2. أن الآية كما أثبتت الولاية لله تعالى و للرسول ( صلَّى الله عليه و آله )
أثبتتها للإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) أيضاً ،
أما و لاية الله تعالى و الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) فلا خلاف
و لا نقاش فيها ، و أما و لاية الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام )
فثابتة كذلك بدلالة نزول الآية فيه ( عليه السَّلام ) .
3. رغم أن لفظة " الولي " تحمل عدة معاني و هي : المالك للأمر
و الأولى بالتصرف ، الناصر ، الحليف ، المحبّ ، الصديق ، الوارث ،
و ما إلى ذلك من المعاني ، إلا أن المعنى المناسب بالنسبة لهذه الآية هو :
المالك للأمر و الأولى بالتصرف ، أي من له الولاية على أمور الناس ،
إذ إعطاء الولي معنى آخر لا ينسجم مع أداة الحصر " إنما " الدالة على
حصر الولاية بالمعنى المذكور في الله و الرسول و علي ،
و كل المعاني الأخرى لا تتلاءم مع هذه الصيغة الحصرية كما
هو واضح ، هذا و إن القرائن التي تزامنت مع نزول الآية
تؤكد على أن المراد من معنى الولاية هو ما ذكرناه .