بعد مرور ما يقرب من 30 عاماً على اكتشاف الفيروس، نجح الأطباء بشكل محدود في فرض سيطرتهم على ضعف المناعة المكتسبة والإيدز، حيث لم يفلحوا في التوصل حتى الآن إلى عقار فعال يمكنه القضاء بشكل حقيقي على هذا المرض. وهو ما جعل مجموعة من العلماء البارزين في مجال مكافحة الإيدز تتقدم بالاقتراح المثير للجدل المتعلق بأنه بات يتعين علينا في واقع الأمر تمزيق كتاب المادة العلمية.
وأكد الباحثون في هذا السياق على أن مشكلة الإيدز تعتبر مشكلة شديدة الخطورة، وأنه من الأفضل انتهاج تصميم "قابل للتكيف" للتجارب السريرية الخاصة باللقاحات المحتملة، التي لا ينتظر فيها الباحثون النتائج النهائية، وإنما يبدأون فوراً في البحث عن إشارات دالة على الفاعلية – ويختارون مرشحاً بشكل سريع أو يبدلون تصميم التجربة إذا لم يتم العثور على شيء. وليس هناك من شك في أن هناك حاجة ماسة إلى عقار فعال. ويكفي القول إن عدد الإصابات الجديدة بالمرض حول العالم كانت 2.2 مليون إصابة في العام 2009. ويعتبر الدمار الذي يعيث في جنوب الصحراء الكبرى، حيث يعيش ثلثي الأشخاص المصابين، أمراً مثيراً للصدمة: ففي العام 1990، قبل أن يظهر الوباء، كان متوسط العمر المتوقع في زيمبابوي 62.4 عاماً؛ وبحلول كانون الأول/ ديسمبر عام 2006، تراجع إلى 34 عاماً بالنسبة للسيدات و 37 عاماً بالنسبة للرجال، بحسب ما ذكرته صحيفة التلغراف البريطانية.
ورغم أن الجمع بين العلاج، الذي يستخدم مجموعة من الأدوية الجديدة المضادة للفيروسات، عَمِل على خفض معدلات الوفاة، وبخاصة في دول العالم النامي، إلا أن الأدوية باهظة الثمن، ويصعب الامتثال مدى الحياة لأسلوب العلاج المعقد. وهناك كذلك تهديداً دائماً بأن تصبح بعض سلالات ضعف المناعة المكتسبة مقاومة للأدوية.
وربما يحتاج العقار إلى جرعة واحدة فقط لمنع العدوى – لكن عملية البحث عن هذا العقار أو اللقاح الفعال قد اتسمت بالآمال الكاذبة والإخفاقات البارزة. وبشأن اللقاحات الرئيسية الثلاثة التي تم اختبارها على الإنسان، فإن أولها هو ما يعرف بـ "VaxGen gp120"، وهو اللقاح الذي لم يظهر أي تأثير وقائي. واللقاح الثاني هو "Step" الذي لم يخفق فحسب في حماية المرضى، بل اتضح أنه يزيد من خطر انتقال العدوى لدى بعض فئات المتطوعين. لكن بصيصاً من الأمل بدأ يطفو على السطح خلال العام 2009، بعدما تم التوصل إلى عقار يطلق عليه "RV144"، حيث نجح في خفض عدوى المرض لدى سكان تايلانديين تقل لديهم المخاطر نسبياً بمعدل 31%. ورغم أن تلك النسبة تبدو متواضعة، إلا أن العلماء رحبوا بهذا اللقاح.
وفي الوقت الذي لم يظهر فيه سوى هذا اللقاح الفعال فيما يتعلق بمكافحة المرض، فإن الباحثين شددوا على ضرورة تطبيق مقترحاتهم الخاصة بإجراء تجارب سريرية أسرع وأكثر مرونة من أجل تسريع الخطوات الواجب اتخاذها لتطوير اللقاح.
وأوضح هؤلاء الباحثين، وعددهم 11 باحثاً، أنه تم استخدام تجارب مماثلة قابلة للتكيف في أثناء عملية التطوير الناجحة للقاح ضد فيروس الورم الحليمي البشري، حين كانت شركة تصنيع الأدوية "ميرك" قادرة على ربط فاعلية العقار بإنتاج الأجسام المضادة في وقت مبكر من العملية، ومن ثم تعديل تصميم التجربة وفقاً لذلك.
وبالنسبة لمرض ضعف المناعة المكتسبة، سوف يعني ذلك مراقبة إحدى التجارب عن قرب، أو تمكينها من استبعادها بسرعة، أو إخضاعها لـ "تعديلات"، مثل إضافة تطعيمات داعمة أو الاستعانة بمتطوعين من فئات تعاني من درجة خطورة أعلى. وخلص الباحثون إلى أن مثل هذه الاختصارات قد يكون لها ثمن. وأضافوا "قد تؤدي التغييرات المؤقتة إلى تحيز وانخفاض القوة الإحصائية وربما تعقيد تفسير النتائج".
من جهته، قال دكتور أنتوني فوسي، مدير المعهد الوطني لأمراض الحساسية والأمراض المعدية التابع للحكومة الأميركية، إنه من الواجب النظر بعين الاعتبار إلى المخاطر. وأضاف " نحن بحاجة لأن نكون أكثر واقعية. وأن نتوصل لنتائج التجارب بعد سنة بدلاً من ثلاث سنوات". ومن خلال الإسراع في الاستعانة بمتطوعين واتخاذ القرارات بشكل مبكر، قال البروفيسور جوزيبي بانتاليو، مدير معهد اللقاحات السويسرية في لوزان، إنه سيكون من الممكن التركيز على اللقاحات المفيدة وتعلم المزيد في نفس الوقت عن تغييرات الجهاز المناعي التي تشير إلى أن اللقاح فعال.
وأشارت البروفيسور فرانسيس غوتش، الباحثة المتخصصة في اللقاحات المضادة لمرض ضعف المناعة المكتسبة في امبريال كوليدج بلندن والتي تتعاون مع المبادرة الدولية للقاح الإيدز، إلى أنها تدعم الأصوات التي تطالب بإجراء تجارب سريرية أسرع وأكثر مرونة، لكنها تتنبأ أيضاً بثمة مشكلات، وقالت " لا يجب أن ننسى أن تغيير التجارب في منتصف الطريق يتطلب كمية هائلة من الأوراق والمزيد من الموارد".
ورغم ذلك، رأت الصحيفة أنه حتى وإن توافرت الموارد الكافية، فقد يثبت أن المشكلات الأخلاقية بحاجة لمزيد من البحث. كما أن اللقاحات لم تكن الطريقة الوحيدة التي تم اقتراحها لمنع انتقال العدوى: فالاستعانة بمواد هلامية تحتوي على مضادات جراثيم واستخدام عقاقير مضادة لفيروس الإيدز، إما قبل أو بعد ممارسة الجنس على الفور، وُصِفَت أيضاً بأنها أساليب لوقف العدوى، وإن كانت أقل فعالية من الأساليب المثالية.
وأوضح دكتور فوسي أنه إذا ما تم التأكد من فعالية مضادات الجراثيم – وهو الأمر الذي يبدو مرجحاً – فيجب أن يتم عرضهم في تجارب سريرية، وهو ما سيزيد من صعوبة معرفة ما إن كان اللقاح يعمل أم لا. وتحدثت البروفيسور غوتش عن أن هناك ثمة عوامل تجعلها تشعر بمزيد من الإحباط واليأس في إمكانية التوصل للقاح فعال. وختمت التلغراف بقولها إن العثور على لقاح فعال أمر صعب بصورة استثنائية، وذلك لأن الباحثين يحاولون لأول مرة أن يخلقوا تحصين ضد الفيروس الارتجاعي، وهو نوع من الفيروسات يتواجد خارج خلايانا، في شكل الحمض النووي الريبي.