أثبتت التجربة البحرينية أساليب التعذيب القاسية التي استُخدمت ضدّ المعتقلين السياسيين، على مرّ فترات الأزمات التي عصفت بالمملكة الصغيرة بين عقد وآخر، وهي أساليب تتراوح بين النفسي والجسدي. كل الأفكار الشريرة حاضرة داخل جدران غرفة التحقيقات.
ضرب وصعق كهربائي ومنع من النوم، رغم أن الأمر لم يصل بعد إلى الإيهام بالغرق على غرار تحقيقات غوانتنامو وفضائحه. وتمتد لتشمل التهديد بالاغتصاب وأحياناً المبادرة إلى هذا الأمر. ولا يسلم الأمر من الإهانات الشخصية والدينية. وحكاية الاعتقالات الأخيرة ليست فريدة. فهي تشبه حالات كثيرة مضت. رغم ذلك، يبدو المعتقلون أكثر شدّة وتمسكاً بمطالبهم، وأكثر جرأة في عرض ما يتعرّضون له .
لم تكن قضية التعذيب في البحرين صعبة الإثبات. يكفي النظر إلى المتهمين وهم يسيرون في قاعة محكمة السلامة الوطنية (الطوارئ)، ليتأكد الحاضرون بالقرائن الملموسة صحّة الأنباء التي بدأت تتسرب. المعارضون الـ21 المتهمون بمحاولة قلب نظام الحكم والتعامل مع أطراف ودول أجنبية، وبينهم قيادات، هم الأسماء نفسها التي اعتُقل معظمها في شهر آب من العام المنصرم، بتهمة ما صار يُعرف بالخلية الإرهابية، والذين أُطلق سراحهم مع تصاعد الاحتجاجات في البحرين في شباط الماضي، لكن مع بعض التعديلات.
وما بين قضية المجموعة القيادية التي اعتُقلت في آب من العام الماضي وقضية المجموعة الحالية بعض الفروق، وإن كان التعذيب مستمر، بل أخذ طابعاً وحشياً أكبر. أمام القضية الحالية، المواجهات مختلفة بين القاضي والمتهمين، ودرجة الجرأة كبيرة في ظل ظروف أمنية أكثر تعقيداً، والمعنويات والحالة النفسية للمعتقلين هذه المرّة أفضل بكثير مما كانت عليه في حالات الاعتقال السابقة.
خلال الجلسة ما قبل الأخيرة للمجموعة داخل محكمة السلامة الوطنية، يقف رئيس تيّار «الوفاء» عبد الوهاب حسين، الخارج لتوّه من تحقيق قاسٍ أمام القاضي، ليقول «أنا لم أحاول قلب نظام الحكم، فذلك بحاجة إلى انقلاب عسكري، لكني طالبت بإسقاط النظام، وما زلت أطالب بإسقاط النظام، وإن كنت سأقتل فأنا مستعدٌ للشهادة». كلام يخرج من رجل لوحظ عند دخوله قاعة المحكمة أنه يسير بطريقة غير سويّة جرّاء التعذيب الذي مورس بحقّه. ويعدّ عبد الوهاب حسين وحسن مشيمع، الأمين العام لحركة «حق» المعتقل أيضاً في الخلية، صديقَي درب منذ اعتقالهما منتصف التسعينيات من القرن الماضي، مع مجموعة تُعرف في أوساط البحرينيين باسم «جماعة المبادرة» التي كان يقودها الشيخ عبد الأمير الجمري، القائد السياسي والديني للشيعة في البحرين إبّان أزمة التسعينيات الشهيرة، ووالد رئيس التحرير السابق لجريدة «الوسط»، منصور الجمري.
وفي الجلسة نفسها من المحاكمة، لم يستطع الناشط الحقوقي عبد الهادي الخواجة، من منظمة «فرونت لاين» الحقوقية، الحديث مع هيئة المحكمة. قيل إن السبب هو كسور في وجهه، حيث أجريت له عملية جراحية في فكّه داخل المستشفى العسكري. نفت الحكومة هذه المزاعم، لكن أكّدها الطبيب الذي أجرى له العملية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وكتب الخبر «بنبرة» فرح لما جرى لعبد الهادي الخواجة. وسرعان ما تحوّل الأمر إلى فضيحة برسم النظام، عندها بادر الطبيب إلى مسح ما كتبه.
لكن أحد رجال الأمن في المحكمة صوّر الخواجة ورفاقه وهم داخل قاعة المحكمة، ووضع الصورة على موقع التواصل الاجتماعي وكتب تعليقاً ساخراً وشامتاً، وسرعان ما انتشرت الصورة، وكانت آثار العملية الجراحية بادية على وجه الخواجة.
وخلال الجلسة الأخيرة من المحاكمة، وقف الخواجة متحدثاً إلى القاضي بصوتٍ مرتفع «هل يرضى الملك بأن يجبروني على الاعتذار منه وتسجيل ذلك بالفيديو، وعندما رفضت كانوا سيعتدون عليّ جنسياً؟ وضُرب رأسي بالأرض حتى أُغمي عليّ. ولولا الإغماء من صدمة الموقف لكانوا اعتدوا عليّ؟ كذلك هددوني باغتصاب ابنتي مريم». حاول القاضي إسكاته فلم يستطع، فأمر بطرده من القاعة وكان له ما أراد.
بعدها وقف المحامي عادل المتروك، طالباً من المحكمة عرض المعتقل الأكبر بينهم محمد جواد، والد الحقوقية رملة جواد وخال الناشط الحقوقي نبيل رجب، على الطبيب الشرعي على أثر شكواه من تعرّضه للتعذيب. ووقف جواد متحدثاً «سيدي القاضي أنا تعرّضت للتعذيب»، قبل أن يرفع سرواله على الملأ ليُذهل الموجودين من جرأته ومن آثار الضرب والتعذيب البادية على جسده. فجاء ردّ ممثل النيابة العامة التابع لوزارة الداخلية أن «المحكمة ليست الطبيب الشرعي، وأن المتهم عُرض على الطبيب الشرعي (تابع لوزارة الداخلية) وتقرير الطبيب الشرعي يثبت عدم وجود جروح داخلية أو خارجية».
موقفٌ لم يُثن جواد الذي أكّد أنّ «حوضه متضرّر». وتحدث عن ظروف نقل المعتقلين اللاإنسانية، وكيف تكون عيونهم مغمضة، وتوضع فوق رؤوسهم أكياس، بطريقة تشبه إلى حدٍّ ما طريقة نقل معتقلي غوانتنامو، وأنّه عند مجيء رجال الأمن لنقلهم في الليل وهم نائمون، يجري إيقاظهم عن طريق الضرب المبرح، وضربهم أثناء نقلهم داخل السيارات.
ويؤكد الناشط الحقوقي نبيل رجب على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» أنّ خاله محمد جواد اعتُقل لنشاطه الحقوقي وقربه العائلي من رجب. ويتحدث عن تعرض جواد للتعذيب عبر صعقه بالكهرباء، وتعليقه وضربه ضرباً مبرحاً، مشيراً إلى أنه يعيش في ظروف صحيّة صعبة للغاية قد تهدد حياته بالخطر.
وكان المحامي قد طلب إلغاء الحبس الانفرادي عن المتهمين، وهو ما وافق القاضي عليه، حيث أمر بوضع المتهمين في زنزانة واحدة. لكن مع تجربة الاعتقال البحرينية، فإن تنفيذ الأمر القضائي مشكوك في أمره، ولم تستطع «الأخبار»، بسبب القيود المفروضة، الحصول على معلومات تؤكّد تنفيذ الأمر القضائي، فيما يرتقب أن تنعقد جلسة المحاكمة المقبلة في 22 أيار الحالي.
وفي آخر أنباء الاعتقالات، اعتقلت السلطات الصحافي والباحث الاجتماعي عباس ميرزا المرشد، الأخ غير الشقيق لأمين عام جمعية «الوفاق» الشيخ علي سلمان. وعلمت «الأخبار» أن عملية الاعتقال حصلت بعدما أرسل مركز النعيم التابع للداخلية إحضارية إلى منزل المرشد، تطلب منه الحضور إلى المركز الأحد الماضي، فتوجّه عصراً إلى المركز، وانقطعت بعدها أخباره