بعد ان عبرت جسر الثقة، ودخل رئيسها نجيب ميقاتي ممتشقا «قلمه الحبر» الى السراي الحكومي امس، يفترض ان تبدأ الحكومة العمل بزخم مطلع الاسبوع المقبل، حيث تنتظرها ملفات كثيرة. اولى المحطات هي في اولى جلسات مجلس الوزراء التي يفترض ان تشهد التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتعيين رئيس اركان جديد للجيش اللبناني، بما يتيح لقائد الجيش العماد جان قهوجي السفر في زياراته الرسمية التي باتت ضرورية على اكثر من مستوى. اما المحطة الثانية، التي تحتاج الى مجموعة تفاهمات وتسويات فهي التعيينات الادارية وملء الشواغر الكثيرة في مؤسسات الدولة.
وفي حين ستنصرف الحكومة الى شواغلها وشواغرها، ستواصل المعارضة تصعيدها. اما المحكمة الدولية فتسير على ايقاعها. وبعدما مضى الاسبوع الاول على ايداع القرار الاتهامي تبقى ثلاثة اسابيع لانتهاء مهلة الثلاثين يوما لتسليم المتهمين الواردة اسماؤهم.
تنظر المعارضة الى حصيلة مواجهتها الاولى في البرلمان بارتياح. «لقد سمع الناس كلاما واضحا ومركزا حول البندين الاهم: المحكمة الدولية والسلاح. تحدث كل نائب باسلوبه ولغته ومفرداته واوصل ما يريد ايصاله لهذه الحكومة ومن يدعمها. وضعنا النقاط على الحروف وحذّرنا واشرنا للرئيس نجيب ميقاتي الى اي منحدر يجرونه او يذهب طائعا بإرادته، لا فرق».
يستغرب المعارضون سؤالهم المتواصل «ماذا بعد؟ وهل ستكتفون بالمعارضة الخطابية؟» ويعلق احدهم قائلا «الموقف والرأي والحجة والمنطق هي اقوى الاسلحة في الانظمة الديموقراطية. ونحن متمسكون بها. يسخر منا الفريق الآخر لانه فريق يستقوي بسلاحه وصواريخه ومعتد بنفسه لدرجة مرضية. والذي يقول انه لن يسلّم متهما لمحكمة دولية ولو بعد 300 سنة كيف يمكنه ان يفهم منطق المواجهة بالموقف والكلمة؟. لكن ما لا يفهمونه ولم يتعلموه ان هذا لبنان. وفي لبنان لا يمكن لفريق ان يعيش نشوة الاستقواء والغلبة ولا يدفع الثمن الباهظ».
ويشير قيادي في «14 آذار» الى ان اجتماعات لاحقة ستجري لوضع خطة عمل. وان التنسيق قائم بأعلى درجاته بين مختلف مكونات 14 آذار. وهذا ما كان خفّ كثيرا في المرحلة السابقة. اليوم الجميع على تنسيق وتلاق والاتصالات على قدم وساق. الاكيد اننا لن نتوقف هنا في معارضتنا. سنقوم بمبادرات وخطوات تصعيدية وجميعها تحت سقف ما يجيزه القانون والممارسة الديموقراطية».
لا تخفي «14 آذار» استنادها الى المحكمة الدولية ومراهنتها عليها. «لقد كانت المحكمة والعدالة رهاننا منذ البداية. وبديهي ان نترقب صدور القرار الاتهامي ونصرّ على الجميع الالتزام بمتطلباته». وهل الرهان يشمل استدراج الدول الى معاقبة لبنان ومقاطعته؟
يجيب القيادي نفسه «نحن نطالب بمقاطعة حكومة لبنان اذا لم تلتزم بقرارات المحكمة والتزاماتها تجاهها، ولا نطالب بمقاطعة البلد . لكن المجتمع الدولي لا ينتظر مطالبتنا. فهو يرسل كل يوم إشارات وتحذيرات الى الحكومة وينبهها ويحذرها من ان تواجه قرارات المحكمة. وهو بالتأكيد لن يقف متفرجا وهو يراقب هذه الحكومة ترمي عرض الحائط بالقرار الاتهامي وكل ما يصدر عن المحكمة». يضيف «السؤال هل يتحمّل لبنان تبعات العقوبات الدولية؟ هل هذه الحكومة مستعدة لمواجهة ضغوط إضافية في ظل هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي؟ هل لديها ادنى تصوّر لما يمكن ان يكون عليه البلد في ظل انقسام سياسي داخلي وإقصاء فريق وتهميشه من جهة ومن جهة أخرى عقوبات دولية محتملة؟».
لكن «14 آذار»، وعلى الرغم من لهجتها العالية منذ لقاء البريستول الاخير، لم تبلور بعد خارطة طريق لخطواتها. الافكار كثيرة لكنها تفتقر الى ما يشبه الاجماع. فبين فريق يصّر على وجوب «استخدام كل التحركات السلمية وصولا ربما الى العصيان المدني السلمي»، وبين من يحتمي وراء «سلاح الكلمة والموقف» وبين من يريد «التصويب على الانتخابات النيابية المقبلة»، تجري محاولات جديّة لتجاوز «صغائر الخلافات وصولا الى ابرام تفاهمات مصيرية».
يُقر فريق من «14 آذار» ان «بعض الحلفاء في تيار المستقبل لم يفيقوا بعد من صدمة الخروج من السلطة. وليس في هذا الكلام اي اتهام او انتقاص. فـ«المستقبل» يملك المشروعية السياسية التمثيلية لطائفة كبيرة. ولقد شكل خروجه بالطريقة التي تمت، صدمة لبعض قياديه كما لجمهوره. لكن يتوجب عليهم التأقلم سريعا مع فكرة المعارضة والعمل وفق مقتضياتها. جمهورهم يطالبهم بذلك. جمهور 14 آذار عموما يطالبهم بذلك».
يصر مسؤول في «تيار المستقبل» على تقبل عتب بعض الحلفاء «برحابة صدر». معلقا «المهم في هذه المرحلة وحدتنا وتضامننا كمعارضة. ان هدوءنا وتدقيقنا بتفاصيل كل موقف او تحرك او خطوة ننوي الاقدام عليها في مسيرتنا المعارضة قد يفسرها كل طرف، من الحلفاء او الخصوم، من منظاره ووفق اجتهاده الشخصي. لكننا في السلطة او خارجها نتحمل مسؤولية شعبنا ووطننا ولا نريد ان نقدم على اي خطوة يمكن ان تسيء او ترتد سلبا على الناس او البلد. لكن الاكيد ان معارضتنا ستكون حاسمة وجذرية. فليستعد ميقاتي وحكومته وليفهم جيدا من يتمنطق بقوة السلاح».