وردة الجنوب مشرفة قسم الاسلامي
الاعلام : عدد المساهمات : 441 نقاط : 784 تاريخ التسجيل : 30/12/2010 الموقع : لبنان
| موضوع: أسرار في حياة الرئيس نبيه برّي الجمعة أغسطس 05, 2011 6:24 pm | |
| ]رسّخ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري نفسه رقما أساسيا وصعبا في المعادلة السياسية في لبنان، وأثبت من خلال موقعه على رأس السلطة التشريعية أنه صاحب مبادرات ومناور لبق ومحاور ذكي وصلب وجريء. وغالبا ما يوصف بأنه لاذع، مساير، عنيد، ظالم وعادل في آن واحد، متسرع ومتمهل، سريع البديهة، صاحب نكتة حاضرة، وبئر عميقة يكتنز الكثير من الأسرار. غضبه شديد ولكن لديه قدرة على السيطرة على تعابير وجهه، يقولبها كما يريد. وهذا جزء من العدة السياسية. متكبر مع المتكبرين، بل أحيانا ينافسهم في التكبر. متواضع مع المتواضعين وينافسهم في التواضع. يمارس أسلوب سياسة الالتفاف على الشخص أو تجاوزه وتجاهله... حتى يتراجع عن خطئه.
لا ينفصل الخطاب السياسي عند بري عن الخطاب الأدبي، وبشكل سلس. يعتمد السهل الممتنع، ما يعطيه نكهة خاصّة وميزة فريدة تجعله دائما يخرج عن النص المكتوب. وهذا الأمر ينسحب على أحاديثه مع زواره، حيث يختلط الجد بالمزاح. ونادرا ما ترى زائرا من زواره يخرج إلا والبسمة ترافقه من قفشاته ورسائله «المشفَّرة» التي تصيب أسهمها غالبا. رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي أطلق عليه لقب «فؤاد الثاني» في طبعته الجديدة وحكومته الثانية، وقد أرسل إليه خلال جلسة عامة علبة محارم ورق ليمسح بها دموعه عندما بكى «السنيورة» على تردِّي الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان.
ويردد بري دائما المثل الشعبي عندما يتطرق إلى مواقف الرئيس السنيورة: «الخسن والخسين بنتا معاوية ولدا في إسطنبول». ويسأل سامعيه: «بربكم شو بدنا نصحح لنصحح من هذه الجملة؟». وعندما يريد أن يحمِّله المسؤولية يقول: «اللي طلّع الحمار على الميدنة (المئذنة) فلينزله» أو «اللي طلَّع الدب إلى الكرم، فلينزله».
وعندما يغامر بري في القيام بأمر ما يردد على مسامع الخائفين عليه المثل القائل: «اللي ربو كاتبلو الستين، لا يموت بالأربعين». وهو يروي حادثة حصلت معه يوم كان وزيرا للعدل حيث قصدته سيدة سبعينية إلى منزله في بربور وظلت تخبط على الباب حتى فتحوا لها. ودخلت في حال الهجوم وهي تصرخ. وكان بري مع مجموعة من المرافقين، فاقتربت السيدة منه وبادرته بصفعة على وجهه فذهل. وعندما حاول مرافقوه إبعادها منعهم. عندها هدأت السيدة قليلا وركعت تقبِّل يديه، فأنهضها، وأخبرته أن ولدها الوحيد متهَم بعملية تفجير. وطلبت منه العمل للإفراج عنه. فتعهد لها بأنه مسؤول عن إعالتها إلى حين خروج ابنها من السجن إذا كان بريئا. وقد وفى بوعده لأنه لم ينسَ أبدا طعم تلك الصفعة.
في بداياته حارب بري الإقطاع السياسي المتمثل يومها في آل الأسعد لأنه - في رأيه - زرع الحرمان بمختلف أشكاله وألوانه. أما بدايته مع الإمام المغيب موسى الصدر، مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وحركة المحرومين «أمل»، فقد كانت عدائية. إذ كان بري الجنوبي يظن للوهلة الأولى أن هذا الشيخ الآتي من إيران الشاه يريد التدخل في شؤون البلد. وسرعان ما شكلت حركة هذا الإمام مروحة شملت كل المناطق اللبنانية بمختلف أطيافها وفئاتها وتلاوينها، فأحدثت في قلب نبيه بري نقزة، كان يجاهر بها أمام رفاقه في الجامعة، وفي أحد المقاهي حيث كان مع مجموعة من الرفاق الناشطين، بينهم المحامي أحمد قبيسي المقرّب جدا من الإمام الصدر. وكان قبيسي يدافع بعصبية وحدّة عن الإمام عندما توجه إليه بري بسؤال: «لماذا أتى الإمام الصدر إلى لبنان؟ وهل جاء ليفرّق بين الشيعة والسنّة؟»، ورد عليه قبيسي بعصبية - بحسب رواية بري - قائلا: «إن الإمام الصدر هو لبناني قبل أن يكون إيرانيا. وهو من بلدة شحور الجنوبية ولم يأتِ ليفرق إنما ليجمع».
وشاءت المصادفات أن تجمع بين بري والإمام الصدر في دارة آل بري حيث جاء ليقدم واجب التعزية. وتعمد الإمام الصدر البقاء مع العائلة حتى يجتمع ببري ويسأله: ما ملاحظاتك عليّ يا ابني؟ وبكل رحابة صدر تَلقّى الإمام ملاحظات بري، وقارع الحجة بالحجة، ما جعل بري يبدّل الصورة التي ارتسمت لديه عن الإمام.
يروي بري حادثة طريفة حصلت معه في أثناء زيارته إلى الصرح البطريركي الماروني في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2000. يقول إنه تقديرا لزيارته جلس البطريرك نصر الله صفير في كرسي عادي وأجلسه (بري) إلى يمينه فبقي كرسي البطريرك فارغا.
في أثناء الاجتياح الإسرائيلي للعاصمة بيروت وعندما حاول العدو احتلال الضاحية الجنوبية عام 1982، طلب بري من القادة الأمنيين في حركة «أمل» التصدي بالقوة ومنع الاحتلال من دخول الضاحية «ولو كان على جثثنا». وعندما لاحظ تردد أحد القادة بحجة أن الأمر يحتاج إلى فتوى دينية بذلك، بادره بري قائلا: «أنا المفتي، وأنا أفتي الآن بأن إسرائيل لن تدخل إلى الضاحية إلا على أجسادنا وعلى جثثنا». وبالفعل استعصت الضاحية الجنوبية على إسرائيل.
بعد سقوط حكومة الرئيس عمر كرامي نتيجة الاحتجاجات على الوضع الاقتصادي وما أثير حول الوضع المصرفي في 6 أيار (مايو) 1992، جرى التوافق على حكومة انتقالية أسندت رئاستها إلى الرئيس رشيد الصالح الذي يطلق عليه اسم «غارابيت». وكانت مهمة هذه الحكومة الإشراف على إجراء الانتخابات فقط. وهي استمرت ستة أشهر، وكان يومها البلد غارقا في جدال واعتراض من قِبل الطائفة الأرمنية على الإجحاف الحاصل في تمثيلها، وخصوصا من وزراء الأرمن. فغمز بري الرئيس الصلح الذي فاجأ الجميع بالاعتراض على الاعتراض الأرمني، وقال لهم: «كلامكم مبالغ فيه إلى أقصى الحدود». وعندما تحضروا للرد بذات الجدية قال لهم بري: «ولو شو مش عاجبكم غارابيت رئيس الوزراء؟ وهل في تاريخكم في لبنان حصلتم على أرفع من هذا المنصب؟ فساد الضحك.
ويروى عن بري أنه في أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 عمد مرات عدة إلى التنكر ليحمي نفسه من محاولات الاغتيال باعتمار كوفية أو قبعة ووضع شاربين ولحية مستعارة مع نظارات وحمل عصا.
وفي معرض ردّه على تهديد وزير الخارجية الإسرائيلي ديفيد ليفي عام 2000 بحرق تراب لبنان، قال بري: «إذا كان رئيس الدبلوماسية الإسرائيلية ينطق بما ينطق به، فماذا ننتظر إذن من وزير الدفاع؟ فهل سيعيدون التراب الذي سرقوه أم سيحرقونه؟ أنصحه بأن يراجع كتب التوراة التي تؤكد أن خشب الأرز في لبنان لا يُحرق، فكيف بترابه. ولهذا استُعمل في بناء هيكل سليمان».
بربور الشارع البيروتي المتفرع من كورنيش المزرعة شكّل علامة فارقة ومرادفا لاسم نبيه بري وعنوانا من عناوين السياسة اللبنانية وتحولاتها وشاهدا على قرارات مهمة انطلقت من منزله في هذا الشارع، الذي كان يستخدمه مكتبا للمحاماة ومكانا للاجتماعات الحزبية والحركية. وقد تفاءل به كثيرا. ولم ينتقل منه إلا إلى مقر الرئاسة الثانية في عين التينة.
يشعر بري عند مناداته بـ«يا جدي» من أحفاده بعبء السنين. لكنه يقاوم هذا الشعور بالحفاظ على شباب الروح والنفسية الفتية وقوه الإيمان. ويقول إن «الشيخوخة لا تهم إذا كانت مظهرية. لكن إذا دخلت إلى الداخل فتلك المصيبة الكبرى». ويعتبر نفسه أبا حنونا وصالحا. لكنه لا يظهر عاطفته الكبيرة أمام أولاده، كبيرهم وصغيرهم. والحال أن ظروف حياته تجعله يبعد بعض الشيء عنهم، وهذا من الأثمان التي يدفعها نتيجة العمل في الحقل العام. تقول عقيلته السيدة رندة إنه «يحاول الإنصاف في توزيع عاطفته بين أولاده ويكون على تماسّ متوازن معهم. لكنه ضعيف أمام بناته. ومع ذلك يحرص على الجو العائلي ويجهد نفسه لمناقشة أولاده. وهو يتحلى بخفة الروح. وهذا عنصر خاص يستخدمه دون أن يشعر به أحد. ويحرص على أن لا يصطحب معه هموم السياسة ويترك المشكلات الكبيرة وراءه عند دخوله إلى المنزل».
وتضيف: «إن خفة الدم يُدخِلها (بري) في كل مساحات حياته سواء في البيت أو في العلاقات مع الأصدقاء لدرجة يضيع من يتلقاها بين الجد والمزاح. لا يزعجه تقليد الفنانين له، بل يشجعهم إذا زاروه. ويتسع أفقه الفكري لوضع كل كاريكاتور في مكانه. وقناعته أن ليس كل الناس راضين عن أعماله وممارساته وتصرفاته، فهو يتقبل النقد بكل رحابة صدر».
وتكشف السيدة بري أن «الرئيس بري وقت الراحة يختار التمدد في غرفة الجلوس لأنه يشعر فيها بالراحة والحرية ويتمتع بمشاهدة التلفزيون. ويفضل أكل الفراكة (الكبة الجنوبية) وأن تكون وحدها ما يُقدَّم على طاولة الغداء دون غيرها لأنها من التراث ويحب أن يكرمها من دون أن يكون لها شريك». ومعروف عن بري تفضيله ارتداء الثياب الرياضية وكرهه البذلات وربطات العنق. والمرأة في نظره يجب أن تكون شريكا حقيقيا كي لا يبقى المجتمع أعرج. ويفضل الجمال الأنثوي الطبيعي. وفي رأيه أنه «إذا كان جمال المرأة يناديك، فعقلها هو الذي يبقيك».
نبيه بري السياسي يختزن في داخله الشاعر والأديب. كتب كلمات أغنية بلال فحص «يا طير الجنوبي يا حب الجنوبي يا عريس الجنوب» التي أداها الفنان مارسيل خليفة. ويحب قراءة شعر محمود درويش. ولا تعنيه الأغاني والموسيقى الكلاسيكية، فهو واقعي وطبيعي. يذكر في معظم أحاديثه شتلة التبغ بأبيات شعرية اختصرت طريقة زراعتها. كما يذكّر بالعودة إلى الأرض وإلى الجذور. ويروي بعض ذكرياته عن حارة بيت بري في بلدته تبنين حيث هناك حرش اسمه «خلّة بيت بري حيث كنا نذهب إلى هناك ونتبارى في الشعر في عرزال صغير مع بعض الفتية أو تحت شجرة التين. حاولت ولم يعجبني ما أنتجت فأقلعت باكرا لأن الشعر في نظري هو الشعر الموزون المقفى. كانت أفكاري تسبق قالبه فأحسست أنها ستكون سجينة قوافيه وبحوره فلم أكرر المحاولة. لكن كان ينتابني دفق عاطفي تجاه قضية تهزني فتأخذ من الكتابة طريقا للتعبير. وهذا ما أحسست به حين كتبت عن بلال فحص وسناء محيدلي وخالد الأزرق، ذاك الفدائي السوري الذي جاء من مدينة حلب، ليسقط شهيدا على أرض الجنوب. كتبت عنه قطعة أدبية مطلعها: خالد الأزرق ذلك الأزرق، شهب من شهبائنا الحلبية وردة من الردة العربية».
حفظ بري ثلاثة آلاف بيت من الشعر الجاهلي والإسلامي في المرحلة الثانوية. وفي المرحلة الجامعية كان يلقب بالـ«ستنسل» لما يحفظه في مخيلته حتى موضع النقطة والفاصلة. وتنامت عنده عادة القراءة والحفظ لتجعل منه قارئا على طريقة «الكشكول» الحاوي للأدب والشعر والعلم والفلك.
كانت له مجموعة قصصية صغيرة حصل على جوائز عليها والتهمتها النيران في درج مكتبه في بناية الصحناوي خلال الحرب الأهلية. وتتأثر كتاباته بمواضيع الحرمان الذي عايشه على الأرض من معاناة الناس اليومية عندما كان يجمع بدلات الإيجار من المستأجرين في أملاك أبيه. كما تأثر بالثورة الجزائرية وبأبطال جبل عامل. وكانت القصص التي كتبها محاولات انتقادية خجولاً لكل أوجه الحياة.
يتذكر بري حادثة حصلت معه عندما زار رئيس مجلس النواب الأسبق الراحل عادل عسيران بلدته تبنين ليقدم واجب تعزية. وكان بري يومها في الرابعة عشرة من عمره، فوقف على المنبر وألقى كلمة مرحبا بالرئيس عسيران ومنتقدا طريقة إحياء المجالس الحسينية في عاشوراء. وقال بالحرف: «إن الحسين لو عرف أن عاشوراء سيعاد إحياؤها بهذا الشكل لأقلع عن الاستشهاد». وقبل أن يكمل كلمته أنزلوه عن المنبر. ويقول حول هذه الحادثة: «لو لم أكن أنتمي إلى عائلة كبيرة ويُحسب لوجهائها ألف حساب لكان رد الحاضرين عليّ اختلف عن مجرد إنزالي عن المنبر». __________________
| |
|