طور السلاح الاسلامي
وقد وضع الرسول (صلعم )،بنفسه مبدأ تطوير السلاح وكان حريصا أن يحصل جيشه على أحدث الأسلحة في عصره،. فمن ذلك أنه رأى في يد الزبير بن العوام، بعد عودته من هجرة الحبشة نوعا جديدا من الرماح يقال له (العنزة) ،وكان الاحباش يصيدون به الوحوش بدقة متناهية، فأمر الرسول ان يصنع لجيشه مثلها، وأمر الزبير أن يدربهم عليها، كذلك كان الرسول أول من أدخل في جزيرة العرب المنجنيق والدبابة فأرسل إلى الشام وفدا لتعلم صنعهم وقد صنعهم قبل حصار الطائف وقذف بهم الأسوار والحصون.
وبفضل هذا المبدأ الذي وضعه الرسول كان المسلمون من بعده يحرصون على تطوير سلاحهم بالدراسة والعلم والتجربة.. حتى جاء يوم أصبح السلاح العربي مضرب الأمثال فى الجودة والمتانة والكفاءة .
ا) فمن هذه التطورات صناعة الصلب العربي الذي تصنع منه الأسلحة فقد بلغت هذه الصناعة أوجها في دمشق والقاهرة، وأصبح السيف العربي لا يدانيه سيف، آخر من حيث حدة شفرته وعدم قابليته للصدأ أو الاعوجاج، وكان التوصل إلى هذا النوع من الصلب بفضل علماء المسلمين في الكيمياء الذين وضعوا الكتب والمؤلفات بعنوان مثل:
"فيما يوضع على الحديد والسيوف حتى لا تثلم ولا تصدأ"، وقد ظلت صناعة هذا النوع من الصلب العربي سرا لا يعرفه الغرب ،ولم يكتشف الامن عهد قريب عندما أعلنت إحدى الجامعات الأمريكية أنها توصلت إلى تحليل معدن السيوف العربية القديمة (انظر باب الكيمياء).
2) أيضا تفنن المسلمون في الأسلحة الثقيلة كالدبابة والمنجنيق لمهاجمة الحصون فكان أول استعمالهم لها بعد الرسول في حصار دمشق سنة 13 هـ كما ادخلوا عليها الكثيرمن التطور، وفي حصار (الديبل) في بلاد السند كان لدى الجيش الإسلامي منجنيق هائل يدعى (العروس) بلغ عدد الجنود الذين يحركونه ويرمون عليه خمسمائة جندي.
وقد استعمل ابن الرشيد في حصار (هرقلية) في بلاد الروم منجنيقا يرمي الحصون بنار حارقة مكونة من خليط من الكبريت والنفط والحجارة وملفوف في الكتان، وفي الحروب الصليبية ابتكر المسلمون آلة جديدة اسمها (الزيار) ترمي أعدادا كبيرة من السهام الثقيلة دفعة واحدة.
3) كذلك كان المسلمون أول من اخترع حرب الغازات:
فقد جاءت جماعة من طائفة الاسماعيلية فعرضت على صلاح الدين اختراعا من ابتكارهم يعتبر أول استعمال للغازات في الحرب.
وذلك بأن تحرق مجموعة من الأعشاب المخدرة (3) في موضع قريب من جيش العدو بحيث يكون اتجاه الريح نحوهم فيسبب التخدير للجيش كله وينومه مما ساعد صلاح الدين على مباغتة الصليبيين وهزيمتهم، وقد طور المسلمون هذا السلاح، فصنعوا منه (القبرة) وهي قنبلة يقذفونها بالمنجنيق على معسكر العدو وهي مشتعلة وتحتوي على مزيج من البنج الأزرق والأفيون والزرنيخ والكبريت فإذا تفاعل الكبريت والزرنيخ تولدت عنه غازات حارقة وخانقة.
4- صناعة
5- المدافع: وسوف يأتي حديث مفصل عنها في باب الاختراعات الإسلامية الحاسمة في التاريخ.
المخطوطات العسكرية الإسلامية
لقد اهتم المسلمون بالدراسات العسكرية النظرية، وألفوا الكثير من المخطوطات في كل المجالات فمنها دراسات حول صناعة السلاح وتطويره، ومنها دراسات عن التدريب على السلاح واستعمالاته، ومنها دراسات عن الخطط العسكرية وفنون التعبئة وتحريك الجيوش.
وقد أحصى المؤرخ الاسلامي ابن النديم الكتب والمراجع في هذه المجالات فإذا بالتراث العلمي العسكري الإسلامي من أغنى المراجع في التاريخ وقد كتب هذا الباب بعنوان "فيما كتب في الفروسية وحمل آلات الحرب والتدبير الحربي ".
ويتكون هذا التراث العلمي من قسمين. قسم ألفه العرب والمسلمون وقسم مترجم نقلوه عن الفرس والروم والهنود، فمن الكتب المترجمة عن الاغريقية كتاب "فن الحركات الحربية" لمؤلفه اليانوس الاغريقي. وهناك كتب ترجمت عن الدولة الرومانية (4) مثل كتاب Taktikon، " عن التكتيك الحربي لمؤلفه ليون السادس وكتاب Stratigikon ،وهو عن الاستراتيجية لمؤلفه ككاومنوس في القرن العاشر الميلادي.
أما المؤلفات العربية فهي نوعان: نوع يدخل في كتب التاريخ والأدب العربي وفيه وصف لمعارك الاسلام، مع توضيح للخطط الحربية والتدبير العسكري وملابسات المعارك ،ومن ذلك كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة "والعقد الفريد" لابن عبدربه "وسراج الملوك " للطرطوشي.
وهناك أيضا المؤلفات المتخصصة في علوم الحرب: فمن ذلك كتب في الرمي بالنبال وإصابة الهدف وأخرى في صفات الاسلحة وأساليب استعمالها مثل "كتاب الدبابات والمنجنيقات " وكتب في الخيل والفروسية والعناية بالخيل مثل كتاب "فضل الخيل " لمؤلفه الفارس الاسلامي عبد المؤمن الدمياطي وكتاب "رشحات المداد في الصافنات الجياد".
- كذلك هناك مخطوطات في الخطط الحربية أو الخدعة مثل كتاب "الحيل والمكايد" وكتب التدريب التعبوي ككتاب "أدب الحرب " وكتب عن "فتح الحصون والمدائن وتربيض الكمائن " وكتب عن "توجيه الجواسيس والطلائع والسرايا ".
والكثير من هذا المخطوطات التي عددها ابن النديم قد فقدت من العالم العربي، ومنها النادر الموجود في مكتبات اوروبا حيث ترجم عدة مرات واستفادوا منها قرون طويلة. فمن أهم هذه المراجع مؤلفات القائد العسكري الاسلامي حسن الرماح الذي توفي في سوريا 1294 م وقد ألف كتاب "الفروسية والمكائد الحربية" وكتاب "نهاية السؤل والأمنية في تعلم الفروسية" ومن أهم كتبه كتاب "غاية المقصود من العلم والعمل ب وهو كتاب عن صناعة وتحضيره وتنقيته من الشوائب. ويلمح سارتون في كتابه (مقدمة الى تاريخ العلم) الى أن روجر باكون قد نقل صناعة من، هذا الكتاب ولا يفوتنا هنا الإشارة الى مخطوط إسلامي (6) عسكري هام ظهر أخيرا في مراكش يعود الى سنه 1583 ومؤلف هذا الكتاب هو "ابراهيم بن أحمد بن غانم بن محمد بن زكريا" وكان إبراهيم هذا من بقايا مسلمي الأندلس الذين أخفوا إسلامهم.. وعندما علم الاسبان بأمره ،طردوه الى مراكش بعد أن قضى في سجونهم سبع سنوات.. وكان إبراهيم خبيرا بالمدفعية وبصناعة .. وقد ورث هذا العلم أبا عن جد منذ عصور الاندلس، اما الكماب فاسمه.
"العز والرفعة والمنافع للمجاهدين في سبيل اللة بالمدافع "ويعتبر هذا الكتاب أول كتاب من نوعه في التاريخ متخصص في صناعة المدافع وحدها، وفيه يصف مؤلفه صناعة المدافع ابتداء من عصور الاسلام الى استعمالها وتطويرها في الجيوش الاسبانية، وقد وصف الكتاب اثنين وثلاثين نوعا من المدافع المختلفة الاحجام والصناعة والأغراض، ووصف انواع الحجارة واحجامها التي يقذفها المدفع،ووصف صناعة المدفع وطريقة وزنه بميزان خاص للتأكد من دقة إصابته للهدف ،ثم يختم هذا المخطوط ببيان طريف بعنوان عن "تذويب المدفع اذا كان ثقيلا كي لا يغنمه الاعداء "والكتاب محلى بالصور العلمية التوضحية الملونة.. ولا تقتصر اهمية هذا المخطوط على ما فيه من معلومات قيمة عن المدفعية في اسبانيا في مرحلة التحول عن الاسلام. ولكنه يعتبر آخر صيحة من أحد بقايا مسلمي الأندلس الى العالم الإسلامي كله تدعوه الى اليقظة وإعداد السلاح المتطور لمواجهة أعداء الاسلام عملا بقوله تعالى "وأعدوا لهم ماستطعتم من قوة" حتى لا يواجهوا مصير أهل الأندلس من الإبادة الجماعية وفي ذلك يقول في مقدمة كتابه:
"ما قصدت به نفعا دنيويا، بل الإخلاص لله تعالى راجيا ان يصل إلى جميع بلاد المسلمين ليحصل به النفع ويحصل لهم الأجر عند الله سبحانه وتعالى بتفريج المسلمين بإتقان أعمالهم وتخويف أعدائهم الكافرين. "
أزياء الجنود
لقد تطورت أزياء الجيش الاسلامي تطورا سريعا، كان المسلمون الأولون على عهد رسول الله "صلعم "يقاتلون في بدر وأحد بملابسهم العادية المهلهلة ولم يكن بينهم اكثر من فارس أو اثنين بعدة الحرب، ثم طور الرسول ملابس الجيش لتصبح أقرب إلى الجيوش النظامية، وكان زي الرسول وأصحابه في الحرب هو السروال والقميص ويضعون العمائم على رؤوسهم وكان (صلعم) يلبس العمائم المختلفة الالوان حسب الغرض والمناسبة وبلقى بذؤابة العمامة بين كتفيه، وفي ذلك بقول (صلعم) (العمائم تيجان العرب) وفي فتح مكة كانت كتيبة الرسول هي الكتيبة الخضراء لأن كل ملابسها وعمائمها خضراء وقد غطوا وجوهم بذؤابات العمائم فلا يبين منهم الا حدق عيونهم، وكانت هذه الكتيبة الخضراء بتنظيمها البديع وزيها الموحد وشعاراتها التي تطلقها الى عنان السماء حدثا لم يسبق له مثيل في جزيرة العرب، وعندما مرت هذه الكتيبة أمام ابي سفيان وزعماء مكة أصابهم الذعر حتى قال أبو سفيان للعباس عم رسول الله.
"والله يا عباس إن ملك ابن أخيك اليوم أصبح عظيما".
وبهذا المظهر الأخاذ استطاع الرسول أن يكسب معركة مكة بالحرب النفسية وحدها وبدون إراقة قطرة واحدة من الدماء، وقد تطورت أزياء المسلمين بعد ذلك، فعرفوا الخوذة لحماية الرأس، وقد تفنن الصناع المسلمون في صناعة الخوذ فكانوا يكتبون عليها الايات القرآنية.
وفي عصور الانحلال أصبحت الخوذ كتيجان الملوك تحلى بالذهب والياقوت، والزمرد، ومن ذلك خوذ المماليك وآخر ملوك الاندلس حيث كانت للزينة أكثر منها للقتال، كذلك عرف المسلمون الدروع والتروس لوقاية صدورهم ولبسوا (الجوشن) وهو لباس من حديد يلبس على الصدر عبارة عن حلقات من الحديد المتداخلة.
التدريب على السلاح:
التدريب المتواصل على السلاح وعلى خطط الحرب هو أحد واجبات الفرد المسلم وليس هذا خاصا بالجنود وحدهم وفي حالة الحرب وحدها، ولكنه امر عام الى الرعية المسلمة لكي يكون كل فرد قادرا على حمل السلاح مدربا عليه وفي ذلك يقول الرسول (صلعم).
"كل شيء يلهو به ابن ادم فهو باطل إلا ثلاثة.. رميه عن قوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن حق " رواه الخمسة ومعنى هذا الحديث.. ان المسلم في وقت فراغه ولهوه عليه ان يتخير التسلية المفيدة التي تعده للحرب ،وعلى وقت الرسول كانت هذه التسلية هي التدريب على اصابة الهدف بالنبال، والتدريب على ركوب الخيل.. وفي الحديث أن أحد اصحاب رسول الله قد كبر في السن ومع ذلك فقد كان دائما يبدأ يومه بعد صلاة الفجر بالتدريب على الرمي بالنبال فكان احفاده يسألونه أن يرفق بنفسه في هذه السن الكبيرة ،فيقول لهم "سمعت رسول الله صلعم يقول من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا". رواه أحمد، وهكذا سبق المسلمون أرقى الدول في عصرنا الحاضر واكثرها نهضة وتقدما ففي السويد وفي سويسرا بعد أن ينهي الجندي خدمته العسكرية يظل تحت السلاح الى ان يبلغ سن التقاعد، وعليه أن يحضر دورة تدريبية مرة كل عام حتى يجدد لياقته البدنية وخبرته بالسلاح، والإسلام يأمر الآباء ان يدربوا أولادهم منذ الصغر على ركوب الخيل.. وفي ذلك يقول (صلعم) "من حق الولد على والده أن يعلمه الرماية والسباحة وركوب الخيل " ويقول أيضا "ومروهم فليثبتوا على الخيل وثبا".
وكان الرسول (صلعم ) يعقد المسابقات بين شباب المسلمين وكانت كلها تدور حول الرماية والمبارزة والفروسية، وقد شاهد فريقين من المسلمين يتباريان في الرمي.. فقال لأحدهما "ارموا وأنا معكم " فلاحظ أن الفريق الآخر قد توقف عن الرمي فقال طمم "ما لكم لا ترمون " قالوا "كيف نرمي وانت معهم فضحك الرسول وقال "فاتي معكم جميعا. "
وهكذا لايعرف التاريخ كله عقيدة من العقائد اهتمت بالتدريب العسكري ونهت عن التخلف عنه.. وشجعت المتفوقين فيه وكرمتهم في حياتهم وب!فى موتهم مثل العقيدة الاسلامية.