يعتبر الاكتشاف الذي سجله معهد البحوث السرطانية في جامعة هايدلبرغ سبقا طبيا يمكن ان ينقذ الكثير من المرضى الذي يعانون من الأورام السرطانية في أصعب الأماكن في الجسم، وهو الدماغ. حيث لجأ الاطباء هناك الى تقنية جديدة تم حتى اليوم تطبيقها على أكثر من 300 مريض وسجلت نجاحات واعدة تتمثل في حقن المواد الاشعاعية مباشرة في مكان الورم، اي في تجويفة الدماغ بعد استئصال الورم جراحيا منه، لانه عادة ما ينمو مجددا. فمعالجة السرطان في هذا المكان من أكثر العلاجات تعقيدا.
وحسب شرح البروفسور هلموت بروناور احد الذين شاركوا في تجربة هذه التقنية لمدة سنوات طويلة يتم استخدام انبوب ينتهي طرفه ببالون مزدوج الغلاف، يتراوح قطره ما بين الـ 2 و4 ملم ويفتح الجراح ثقبا صغير في جمجمة المريض، ثم يدخل الأنبوب الرفيع الذي يمر تحت جلد الراس ليصل الى ذلك التجويف الذي ملأه الورم السرطاني قبل استئصاله، وذلك من خلال توجيه الانبوب بدقة متناهية بالاستعانة بجهاز كمبيوتر خاص. وتحتوي نهاية الانبوب على البالون الاسطواني أما بدايته فتحوي صماما يحقن من خلاله السائل المشع ( اليود المشع) المعروف باسم اليود 124 في الدماغ، ويترك الانبوب فيه.
وبعد مضى يومين على وضع الانبوب داخل الدماغ يستعمل الجراح إبرة لحقن هذا النوع من اليود في البالون الاسطواني مرة أخرى وتتم تعبئة البالون عبر صمام الانبوب. وتدوم مدة العلاج الاشعاعي عبر هذا التقنية من ثلاثة الى عشرة ايام، يوميا، وذلك حسب حجم الورم وصعوبة حالة المريض، بعدها يزيل الطبيب الجراح الانبوب والبالون معا.
وبهدف تطوير هذا التقنية يتعاون أطباء في جامعة هايدلبرغ وزملاء لهم في بعض الجامعات الاوروبية، وتمكنوا على سبيل المثال من إنهاء مرحلة تجربية، حيث سيكون العلاج الكيميائي بايصال الدواء عبر الانبوب مباشرة الى منطقة الورم في الدماغ، ويسمى هذا النظام غليادل وفر، ويعتمد على ايصال من 6 الى 8 رقاقات هشة ومتناهية الصغر، قابلة للانحلال بيولوجيا، وتحوي على الدواء المسمى بي سي ان يو كارمستيان المضاد للورم السرطاني، ايصاله الى جدران التجويف الدماغي المصاب وتم استئصاله جراحيا.
ويأمل الأطباء دمج المواد الاشعاعية الدوائية بهذا النظام المتطور بهدف تحسين الاثار العلاجية الناجمة عنهما. ومن المتوقع ان يؤول هذا الاندماج الى اطالة عمر المريض بمعدل عامين الى خمسة اعوام على الاقل بعد خضوعه لعملية استئصال الورم جراحيا. فالفائدة من حقن المواد الاشعاعية والكميائية سوية تكمن في حصر نشاطها على المنطقة في الدماغ التي تحيط بتجويف الورم المستأصل ، فيما تتراجع درجة سمية العلاج الى ادنى حد. وحسب قول البروفسور بروناور من شأن هذه التقنية الجديدة والمتطورة ان تحسن أيضا شروط حياة مرضى أورام الدماغ لانها تفتتح المجال أمام الأطباء والجراحين لسلوك حلول فعالة اكثر فاكثر وتقلل من الحاق الضرر بخلايا الدماغ السليمة وبالاخص تلك التي تكون قريبة من الورم الذي يتم استئصاله.