الله اكبر الله اكبر الله اكبر
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرج آل بيت محمد
الإمام الحسين.. نور بلا حدود
حينما يقال إنّ كربلاء أوسع من البقعة المكانيّة التي عُرِفت،
وأطول من البرهة الزمانيّة التي دارت خلالها المعركة،
وأعظم وأوسع ممّا تصوّره البعض أنّها حادثة تاريخيّة
تنطوي في صفحات التاريخ شأنها شأن بقيّة الوقائع..
حينما يُقال ذلك فربّما يُطلَب أكثر من دليل.
وحينما يُقدَّم الدليل تلو الدليل، يُدّعى أنّ وراء ذلك تعصّباً للشهيد المظلوم أبي عبدالله الحسين عليه السّلام،
أو أنّ الكلام منطلقٌ من رغبةٍ جامحةٍ في الانتصار له بعد تلك الظّلامة العظمى؛
لإعلاء شأنه بعد أن مثّل أعداؤه ببدنه القُدسيّ، وذبحوا أهل بيته وإخوته وأبناءه
وأحبّته وخُلّص أصحابه أمام عينيه الكريمتين.
وفي هذا السياق..
نوجّه الأنظار والأذهان إلى شيءٍ ممّا اعتقده إنسان غير مسلم وصرّح به،
وكتبه بيراعٍ صادق مؤمنٍ بالحقائق التي توصّل إليها بقلبه وضميره. ذلك هو الكاتب
« أنطون بارا » في مؤلَّفه: « الحسين في الفكر المسيحيّ ».
فدَعُونا ـ أيّها الإخوة ـ نعيش مع هذا الكتاب بعض فقراته التي ترى الإمام الحسين عليه السّلام
فوق الاعتبارات الضيّقة،
وفوق نطاق الجغرافية..
نراه حاضراً في الضمير الإنسانيّ الحيّ والوجدان المتيقّظ..
وفي كلّ رسالات الأديان النزيهة. يقول « أنطون بارا »:
الهزّة العظيمة
لم تَحْظَ ملحمةٌ إنسانيّة في التاريخَين: القديمِ والحديث،
بمِثل ما حَظِيَت ملحمةُ الاستشهاد في كربلاء، من إعجابٍ ودرسٍ وتعاطف؛
فقد كانت حركةً على مستوى الحادث الوجدانيّ الأكبر
لأمّة الإسلام بتشكيلها المنعطفَ الروحيّ الخطيرَ الأثر في مسيرة العقيدة الإسلاميّة،
والتي لولاها لكان الإسلام مذهباً باهتاً يُركَنُ في ظاهر الرؤوس،
لا عقيدةً راسخةً في أعماق الصدور،
وإيماناً يترعرع في وجدان كلّ مسلم. لقد كانت ( كربلاء ) هزّة، وأيّة هزّة!
زلزلت أركانَ الأمّة مِن أقصاها إلى أدناها، ففتّحت العيون، وأيقظت الضمائرَ
على ما لسطوةِ الإفك والشرّ من اقتدار، وما للظلم من تلاميذ
على استعدادٍ لزرع ذلك الظلم في تلافيف الضمائر؛
ليغتالوا تحت سُتُرٍ مزيّفة قيمَ الدِّين، وينتهكوا حقوقَ أهليه.
المسيرة الخالدة
ألم يَعُوا كيف تحوّلت هذه الملحمة العظيمة ( ملحمة كربلاء )
بتقادم العهد عليها، إلى مسيرة.. وكيف صارت الشهادة التي أقدَم عليها الحسينُ عليه السّلام
وآلُ بيته وصحبُه الأطهار، إلى رمزٍ للحقّ والعدل.. وكيف صار الذبيح بأرض كربلاء،
مَناراً لا ينطفئ لكلّ متطلّعٍ باحثٍ عن الكرامة التي خصّ بها سبحانه وتعالى خَلْقَه بقوله:
« ولَقَد كرَّمْنا بَني آدَمَ »؟!
والسيرة العطرة لحياة سيّد شباب أهل الجنّة واستشهاده الذي لم يُسجِّل التاريخُ شبيهاً له..
كان عنواناً صريحاً لقيمة الثبات على المبدأ، وعظمةِ المثاليّة في أخذ العقيدة وتمثُّلِها،
فغدا حبُّه كثائرٍ واجباً علينا كبشر، وحبُّه كشهيدٍ جزءً من نفثات ضمائرنا.
فقد كان الحسين عليه السّلام شمعة الإسلام، أضاءت ممثِّلةً ضمير الأديان إلى أبد الدهور،
وكان درعاً حَمى العقيدةَ مِن أذى مُنتهكيها، وذبَّ عنها خطرَ الاضمحلال، وكان انطفاؤه
( أي شهادته ) فوق أرض كربلاء مرحلة أُولى لاشتعالٍ أبديّ،
كمَثَل التوهّج من الانطفاء، والحياة في موت.